تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
110747 مشاهدة
نماذج من صبر المؤمنين على إيمانهم

...............................................................................


ويقال هكذا في بقية الرسل، فقد ذكر الله عن نبيه هود أنه أرسله إلى عاد, وأن أغلبهم كذبوه وكانوا قد أُعطوا بطشا وقوة، فقال لهم: وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً فلما عصوا عاقبهم الله، وأنجى هودا والذين معه. سبب نجاة هؤلاء الإيمان القوي, أنهم صبروا على الإيمان، ولو هجرهم أهلوهم وأقوامهم, صبروا أيضا على البعد عن بلادهم, وعلى مفارقة أقاربهم، وذلك لأن قلوبهم امتلأت بالإيمان. فكذلك الذين كذّبوه لما لم تتحمل قلوبهم لتصديق ما جاء به, وادعوه شيئا غريبا كان ذلك سببا في ضعف إيمانهم, وفي تكذيبهم.
ويقال كذلك في بقية الرسل, فالذين يؤمنون بكل ما أخبر الله تعالى به من هذه الأخبار، فإنهم يقوى الإيمان في قلوبهم, ويكون سببا في ثباتهم, وفي كثرة أعمالهم الصالحة، ويقال كذلك أيضا في التصديق بالأمور المستقبلة التي أخبرت بها الرسل، والتي جاءت في الكتب المنزلة.
فهناك مَنْ آمن بالبعث بعد الموت, وبما أخبر الله تعالى به من الجزاء على الأعمال إيمانا راسخا قويا، إيمانا ملأ القلوب, إيمانا أثقل في القلوب من الجبال الراسية، فكان له آثار, من آثاره: كثرة الأعمال الصالحة, والتزود للدار الآخرة.. من آثار هذا الإيمان البعد عن السيئات -صغيرها وكبيرها- من آثار هذا الإيمان: الاستكثار, أو الاستعداد لما بعد الموت؛ وذلك لأن المؤمن صَدَّقَ بأنه لا بد أن يبعث الخلق, وأن يجازى كل عامل بعمله, وأن يجد كل إنسان ما قدمه, صدّق بقول الله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا فلما صدّق وأيقن بذلك صبر على الابتلاء والامتحان, صبر على البلوى, صبر على العذاب, صبر على الآلام, صبر على القتل في الدنيا والتعذيب، فالذي حملهم على هذا الصبر هو امتلاء قلوبهم بالإيمان.
ورد أن بعض الصحابة الذين أسلموا بمكة عذّبهم الكفار كما هو مشهور في التاريخ, حتى كان بعضهم يُلْقَى في الشمس مدة طويلة, ويوضع على صدره الحجارة الكبيرة الحامية، ويقال: لا نُطْلِقُكَ من هذا الوثاق إلا بعد أن تكفر, ولكن لم يكفر, ولم يُجِبْهُم إلى ما سألوا..! لماذا؟ لأنه مؤمن مصدق, وعارف وموقن بصحة ما هو عليه. لما اشتكى بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا، ألا ترى إلى ما أصابنا؟! فأمرهم بالصبر وأخبرهم بحال من قبلهم، وقال: قد كان من كان قبلكم يوضع المنشار على رأسه حتى يشق نصفين, وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من اللحم والعصب, أمشاطٌ رؤوسُها محددة, يغرسونها في عضده إلى أن تصل إلى العظم, ثم يجرونها حتى يشققوا جلده ولحمه وهو حي, ولا يصده ذلك عن دينه، ما الذي حملهم على هذا الصبر والتحمل؟! إنه الإيمان, إنه قوة اليقين.